كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أسرّوا ابتياعه عن باقي أصحابهم، وتواصَوا أنه بضاعة استبضعهم إِياها أهل الماء؛ وقد ذكرنا هذا المعنى عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثاني: أنهم إِخوته، أسروّا أمره، وباعوه، وقالوا: هو بضاعة لنا، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضًا.
قوله تعالى: {والله عليم بما يعملون} يعمّ الباعة والمشترين.
قوله تعالى: {وشروه} هذا حرف من حروف الأضداد، تقول: شريت الشيء، بمعنى بعته؛ وشريته؛ بمعنى اشتريته.
فإن كان بمعنى باعوه، ففيهم قولان:
أحدهما: أنهم إِخوته، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنهم السيارة، ولم يبعه إِخوته، قاله الحسن، وقتادة.
وإِن كان بمعنى اشتروه، فإنهم السيارة.
قوله تعالى: {بثمن بَخْسٍ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الحرام، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة في آخرين.
والثاني: أنه القليل، قاله عكرمة، والشعبي، قال ابن قتيبة: البخس: الخسيس الذي بُخس به البائع.
والثالث: الناقص، وكانت الدراهم عشرين درهمًا في العدد، وهي تنقص عن عشرين في الميزان، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {دراهم معدودة} قال الفراء: إِنما قيل: {معدودة} ليُستدَل بها على القلَّة.
وقال ابن قتيبة: أي: يسيرة، سهل عددها لقلَّتها، فلو كانت كثيرة لثقل عددها.
وقال ابن عباس: كانوا في ذلك الزمان لا يَزِنُون أقل من أربعين درهمًا، وقيل: إِنما لم يَزِنُوها لزهدهم فيه.
وفي عدد تلك الدراهم خمسة أقوال:
أحدها: عشرون درهمًا، قاله ابن مسعود، وابن عباس في رواية، وعكرمة في رواية، ونوف الشامي، ووهب بن منبِّه، والشعبي، وعطية، والسدي، ومقاتل في آخرين.
والثاني: عشرون درهمًا وحُلَّة، ونعلان، روي عن ابن عباس أيضًا.
والثالث: اثنان وعشرون درهمًا، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والرابع: أربعون درهمًا، قاله عكرمة في رواية، وابن إِسحاق.
والخامس: ثلاثون درهمًا، ونعلان، وحُلَّة، وكانوا قالوا له بالعبرانية: إِما أن تُقرَّ لنا بالعبودية، وإِما أن نأخذَك منهم فنقتلَك، قال: بل أُقرُّ لكم بالعبودية، ذكره إِسحاق بن بشر عن بعض أشياخه.
قال المفسرون: اقتسموا ثمنه، فاشترَوا به نعالًا وخفافًا.
وكان بعض الصالحين يقول: والله ما يوسف وإِن باعه أعداؤه بأعجبَ منك في بيعكَ نفسَكَ بشهوةِ ساعةٍ من معاصيك.
قوله تعالى: {وكانوا فيه من الزاهدين} الزهد: قلَّة الرغبة في الشيء.
وفي المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم إِخوته، قاله ابن عباس؛ فعلى هذا، في هاء {فيه} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى يوسف، لأنهم لم يعلموا مكانه من الله تعالى، قاله الضحاك، وابن جريج.
والثاني: أنها ترجع إِلى الثمن.
وفي علَّة زهدهم قولان: أحدهما: رداءته.
والثاني: أنهم قصدوا بُعد يوسف، لا الثمن.
والثاني: أنهم السيارة الذين اشترَوه.
وفي علَّة زهدهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم ارتابوا لقلة ثمنه.
والثاني: أن إِخوته وصفوه عندهم بالخيانة والإِباق.
والثالث: لأنهم علموا أنه حر.
قوله تعالى: {وقال الذي اشتراه من مصر} قال وهب: لما ذهبت به السيارة إِلى مصر، وقفوه في سوقها يعرضونه للبيع، فتزايد الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنَه مسكًا، ووزنه ورِقًا، ووزنه حريرًا، فاشتراه بذلك الثمن رجل يقال له: قطفير، وكان أمين فرعون وخازنه، وكان مؤمنًا.
وقال ابن عباس: إِنما اشتراه قطفير من مالك بن ذعر بعشرين دينارًا، وزوجَيْ نعل، وثوبَيْن أبيضين، فلما رجع إِلى منزله قال لامرأته: أكرمي مثواه.
وقال قوم: اسمه أُطفير.
وفي اسم المرأة قولان: أحدهما: راعيل بنت رعاييل، قاله ابن إِسحاق.
والثاني: أزليخا بنت تمليخا، قاله مقاتل.
قال ابن قتيبة: {أكرمي مثواه} يعني أكرمي منزله ومقامه عندك، من قولك: ثويت بالمكان: إِذا أقمت به.
وقال الزجاج: أحسني إِليه في طول مُقامه عندنا.
قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرَّس في يوسف، فقال لامرأته: {أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا} وابنة شعيب حين قالت: {يا أبت استأجره} [القصص 26]، وأبو بكر حين استخلف عمر.
وفي قوله: {عسى أن ينفعَنَا} قولان:
أحدهما: يكفيَنَا إِذا بلغ أمورنا.
والثاني: بالربح في ثمنه.
قوله تعالى: {أو نتخذه ولدًا} قال ابن عباس: نتبنَّاه.
وقال غيره: لم يكن لهما ولد، وكان العزيز لا يأتي النساء.
قوله تعالى: {وكذلك مكنَّا ليوسف} أي: وكما أنجيناه من إِخوته وأخرجناه من ظلمة الجُبِّ، مكنَّا له في الأرض، أي: ملَّكناه في أرض مصر فجعلناه على خزائنها.
{ولنعلِّمه} قال ابن الأنباري: إِنما دخلت الواو في {ولنعلِّمه} لفعل مضمر هو المجتلب للام، والمعنى: مكنَّا ليوسف في الأرض، واختصصناه بذلك لكي نعلِّمه من تأويل الأحاديث.
وقد سبق تفسير {تأويل الأحاديث} [يوسف 6].
{والله غالب على أمره} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الله، فالمعنى: أنه غالب على ما أراد من قضائه، وهذا معنى قول ابن عباس.
والثاني: أنها ترجع إِلى يوسف، فالمعنى: غالب على أمر يوسف حتى يبلِّغه ما أراده له، وهذا معنى قول مقاتل.
وقال بعضهم: والله غالب على أمره حيث أمر يعقوبُ يوسفَ أن لا يقصَّ رؤياه على إِخوته، فعلموا بها، ثم أراد يعقوب أن لا يكيدوه، فكادوه، ثم أراد إِخوة يوسف قَتْلَه، فلم يقدَّر لهم، ثم أرادوا أن يلتقطه بعض السيارة فيندرس أمره، فعلا أمره، ثم باعوه ليكون مملوكًا، فغلب أمره حتى ملك، وأرادوا أن يعطفوا أباهم، فأباهم، ثم أرادوا أن يغرّوا يعقوب بالبكاء والدم الذي ألقَوْه على القميص، فلم يَخْفَ عليه، ثم أرادوا أن يكونوا من بعده قومًا صالحين، فنسوا ذنبهم إِلى أن أقرُّوا به بعد سنين.
فقالوا: {إِنا كنا خاطئين} [يوسف 97]، ثم أرادوا أن يمحوا محبَّته من قلب أبيه، فازدادت، ثم أرادت أزليخا أن تلقي عليه التهمة بقولها: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} [يوسف 25]، فغلب أمره، حتى شهد شاهد من أهلها، وأراد يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي، فنسي الساقي حتى لبث في السجن بضع سنين.
قوله تعالى: {ولما بلغ أشده} قد ذكرنا معنى الأشد في [الأنعام: 152]، واختلف العلماء في المراد به هاهنا على ثمانية أقوال: أحدها: أنه ثلاث وثلاثون سنة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة.
والثاني: ثماني عشرة سنة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عكرمة.
والثالث: أربعون سنة، قاله الحسن.
والرابع: بلوغ الحلم، قاله الشعبي، وربيعة، وزيد بن أسلم، وابنه.
والخامس: عشرون سنة، قاله الضحاك.
والسادس: أنه من نحو سبع عشرة سنة إِلى نحو الأربعين، قاله الزجاج.
والسابع: أنه بلوغ ثمان وثلاثين سنة، حكاه ابن قتيبة.
والثامن: ثلاثون سنة، ذكره بعض المفسرين.
قوله تعالى: {آتيناه حكمًا} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه الفقه والعقل، قاله مجاهد.
والثاني: النبوَّة، قاله ابن السائب.
والثالث: أنه جُعل حكيمًا، قاله الزجاج، قال: وليس كل عالم حكيمًا، إنما الحكيم: العالم المستعمِل علمه، الممتنع به من استعمال ما يجهَّل فيه.
والرابع: أنه الإِصابة في القول، ذكره الثعلبي.
قال اللغويون: الحكم عند العرب ما يصرف عن الجهل والخطأ، ويمنع منهما، ويردُّ النفس عما يشينها ويعود عليها بالضرر، ومنه: حكمَة الدابة.
وأصل أحكمت في اللغة: منعت، وسمي الحاكم حاكمًا، لأنه يمنع من الظلم والزيغ.
وفي المراد بالعلم هاهنا قولان:
أحدهما: الفقه.
والثاني علم الرؤيا.
قوله تعالى: {وكذلك نجزي المحسنين} أي: ومثل ما وصفنا من تعليم يوسف وحراسته، نثيب من أحسن عمله، واجتنب المعاصي، فننجِّيه من الهلكة، ونستنفذه من الضلالة فنجعله من أهل العلم والحكمة كما فعلنا بيوسف.
وفي المراد بالمحسنين هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: الصابرون على النوائب.
والثاني: المهتدون، رويا عن ابن عباس.
والثالث: المؤمنون.
قال محمد بن جرير: هذا، وإِن كان مخرج ظاهره على كل محسن، فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: كما فعلتُ بيوسف بعد مالقي من البلاء فمكَّنته في الأرض وآتيته العلم، كذلك أفعل بك وأنجيك من مشركي قومك.
قوله تعالى: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه} أي: طلبت منه المواقعة، وقد سبق اسمها.
قال الزجاج: المعنى: راودته عما أرادته مما يريد النساء من الرجال.
{وقالت هيت لك} قرأ ابن كثير: {هَيْتُ لك} بفتح الهاء وتسكين الياء وضم التاء.
وقرأ نافع، وابن عامر: {هِيتَ لك} بكسر الهاء وتسكين الياء وفتح التاء، وهي مروية عن علي بن أبي طالب.
وروى الحُلواني عن هشام عن ابن عامر مثله، إِلا أنه همزه.
قال أبو علي الفارسي: هو خطأ.
وروي عن ابن عامر: {هِئْتُ لك} بكسر الهاء وهمز الياء وضم التاء، وهي قراءة ابن عباس، وأبي الدرداء، وقتادة.
قال الزجاج: هو من الهيئة، كأنها قالت: تهيأت لك.
وعن ابن محيصن، وطلحة بن مصرف، مثل قراءة ابن عباس؛ إِلا أنها بغير همز، وعن ابن محيصن بفتح الهاء وكسر التاء، وهي قراءة أبي رزين، وحميد.
وعن الوليد بن عتبة بكسر الهاء والتاء مع الهمز، وهي قراءة أبي العالية.
وقرأ ابن خثيم مثله، إِلا أنه لم يهمز.
وعن الوليد بن مسلم عن نافع بكسر الهاء وفتح التاء مع الهمز، وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري: {هُيِّئتُ لك} برفع الهاء والتاء وبياء مشددة مكسورة بعدها همزة ساكنة.
وقرأ أُبَيُّ بن كعب: {ها أنا لك}.
وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء بغير همز.
قال الزجاج: وهو أجود اللغات، وأكثرها في كلام العرب، ومعناها: هلم لك، أي: أقبل على ما أدعوك إِليه، وقال الشاعر:
أَبْلِغْ أمِيْرَ المُؤْمِنْينَ ** أَخَا العِرَاقِ إِذَا أَتَيْتَا

أَنَّ العِرَاقَ وأَهْلَهُ عُنُقٌ ** إِلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا

أي: فأقبل وتعال.
وقال ابن قتيبة: يقال: هيَّت فلان لفلان: إِذا دعاه وصاح به، قال الشاعر:
قد رابني أنَّ الكَرِيَّ أَسْكَتَا ** لو كانَ مَعْنِيًّا بها لَهَيَّتَا

أي: صار ذا سكوت.
واختلف العلماء في قوله: {هيت لك} بأي لغة هي، على أربعة أقوال:
أحدها: أنها عربية، قاله مجاهد.
وقال ابن الأنباري: وقد قيل: إِنها من كلام قريش، إِلا أنها مما درس وقلَّ في أفواههم آخرًا، فأتى الله به، لأن أصله من كلامهم، وهذه الكلمة لا مصدر لها، ولا تصرُّف، ولا تثنية، ولا جمع، ولا تأنيث، يقال للاثنين: هيت لكما، وللجميع: هيت لكم، وللنسوة: هيت لَكُنَّ.
والثاني: أنها بالسريانية، قاله الحسن.
والثالث: بالحورانية، قاله عكرمة، والكسائي.
وقال الفراء: يقال: إِنها لغة لأهل حوران، سقطت إِلى أهل مكة فتكلموا بها.
والرابع: أنها بالقبطية، قاله السدي.
قوله تعالى: {قال معاذ الله} قال الزجاج: هو مصدر، والمعنى: أعوذ بالله أن أفعل هذا، يقال: عذت عياذًا ومعاذًا ومعاذة.
{إنه ربي}.
أي: إِن العزيز صاحبي: {أحسن مثواي}، قال: ويجوز أن يكون {إِنه ربي} يعني الله عز وجل {أحسن مثواي} أي: توّلاني في طول مُقامي.
قوله تعالى: {إِنه لا يفلح الظالمون} أي: إِن فعلت هذا فخنته في أهله بعدما أكرمني فأنا ظالم.
وقيل: الظالمون هاهنا: الزناة.
قوله تعالى: {ولقد همَّت به} الهم بالشيء في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعته مالم يواقع.